بين ظلال الماضي
📘🖋 الفصل الخامس 📘
بقلم ..لمسة روح ..........𝓡𝓸𝓱 𝓐𝓵𝓱𝓪𝔂𝓪𝓽
لم تستطع ليان أن تنام تلك الليلة. كانت الأفكار تدور في رأسها كدوامةٍ لا تهدأ. لم يكن الصندوق فقط هو ما يشغل ذهنها، بل الكلمات التي سمعَتها من رائد، التي كانت تعصف بكل اليقين الذي كانت قد بنته في سنوات مضت.
في صباح اليوم التالي، قررت أن تذهب إلى المكان الذي ذكره رائد. كانت تعرف هذا المكان جيدًا، فهو مكان يجمع بين ذكرياتها الطفولية، حيث كانت تذهب للعب مع رائد في صغرها. كان ذلك هو المكان الذي كانت تقضي فيه أوقاتًا سحرية معه قبل أن يتغير كل شيء.
وصلت إلى هناك بعد ساعة من القيادة، ووقفَت أمام البيت القديم الذي كان يُشبه القلعة الصغيرة في قلب الحي القديم. كان متآكلًا من الزمن، والنافذة التي كانت تعتبرها نافذة حلمها عندما كانت صغيرة، كانت الآن مغلقة، والشجرة الكبيرة التي كانت تظلل المكان قد جفت.
كانت هناك طاولة صغيرة قرب الباب، على سطحها رسمة قديمة، رسمها رائد حين كانا صغارًا. شعرت ليان بأن كل شيء حولها يحكي قصة غابرة، وكأنها تُعيد ترتيب شظايا الذاكرة القديمة، إلا أن ما كان يثير قلقها هو ما قاله رائد عن "الحقيقة" و"الأسرار التي أخفيت".
خطَت بخطوات بطيئة نحو الباب، ومن ثم دخلت بحذر. كان الجو داخل المنزل مختلفًا، هادئًا جدًا، وكأن المكان لا يعيش فيه أحد. ثم لاحظت صندوقًا صغيرًا على الطاولة، تمامًا كما في المرة السابقة.
افتَتحت الصندوق، ووجدت داخله رسالة أخرى، مكتوبة بخط يدها هي، لكن الكلمات كانت غريبة عليها:
"عندما تجد نفسك ضائعًا بين الحروف، وتظن أنك قد فهمت كل شيء، ستكتشف أن الإجابات كانت دائمًا أمامك. هذه اللحظة هي بداية النهاية... والنهاية هي بداية كل شيء."
كانت الكلمات غير مفهومة بالكامل، لكن شيئًا في داخلها أخبرها أن هذا هو الطريق الذي كان يجب عليها أن تسلكه.
في تلك اللحظة، دخل شخص آخر إلى الغرفة. كان رائد يقف هناك، مرتديًا معطفه الطويل، كما لو أنه لا يزال يحمل في عينيه ذكريات لم تُمحَ. عندما رأته، تجمدت مكانها.
– كنتُ أعلم أنك ستأتي، قال رائد بصوت هادئ، لكنه كان يحمل شيئًا من الألم في نبرته. هل قرأتِ الرسالة؟
أجابت ليان، بصوت خافت لكنها حازم:
– نعم، قرأت. لكن هذا لا يغير من شيء. لماذا الآن؟ لماذا هذا الصندوق؟ لماذا الآن فقط؟
ابتسم رائد ابتسامة حزينة وقال:
– لأنكِ مستعدة الآن. كل شيء كان مُعدًا منذ البداية. هذه الرسالة هي المفتاح... لكن الحقيقة أكبر مما تعتقدين.
كان هناك شيء غريب في صوته، شيء جعل ليان تشعر وكأن هذه الكلمات لم تكن المرة الأولى التي تسمعها فيها. كانت قد سمعت شيئًا مماثلًا من قبل، ولكنها لم تكن قادرة على تحديد المكان أو الوقت. كانت هذه الرسالة... تحمل شيئًا من الذاكرة التي تكاد تنسى.
– كل شيء كان مُعدًا منذ البداية؟ ماذا تعني بذلك؟ هل تعني أنني كنتُ مجرد جزء من لعبة قديمة؟ قالت ليان، وقد بدأت مشاعر الغضب تتسرب إليها.
لكن رائد لم يرد على سؤالها. بل نظر إليها، كأنه يبحث عن شيء في عينيها.
– نحن جميعًا جزء من لعبة، يا ليان، قال أخيرًا. لكن السؤال هو: هل ستكونين قادرة على تحمل الحقيقة؟ هل ستقبلين بأن كل ما تعتقدين أنه كان حقيقيًا قد تم تخطيطه منذ البداية؟
تساقطت كلمات رائد كالمطر البارد على قلبها، وكان ما بدأ كتساؤل قديم يتحول إلى حقيقة مؤلمة: هل كانت كل هذه السنوات مجرد خدعة؟ هل كان رائد جزءًا من مخطط لا مفر منه؟
حاولت ليان أن تسيطر على مشاعرها، وقالت بصوتٍ متماسك:
– ماذا تقصد؟ هل تقول لي أن كل شيء كان مجرد تمثيلية؟
لكن رائد اكتفى بالنظر إليها نظرة طويلة، ثم قال:
– نعم، لكن هناك تفاصيل لم تكتشفيها بعد. هنالك سر سيغير كل شيء. سر لا يمكن لأحد أن يتحمله.
https://lamsatroh80.blogspot.com/2025/07/blog-post_96.html
انتظرونا في الجزء القادم وتطورات جديدة
إلى اللقاء في الفصل الثاني
بقلم: لمسة روح
© جميع الحقوق محفوظة2025
تعليقات