الحقيقة المدفونة في الزمن
📘🖋 الفصل : السابع 📘
كانت ليان تجوب الشوارع القديمة في المدينة كأنها تغرق في ذكريات غامضة بدأت تعود إليها. كانت تلك المدينة، بكل ما فيها من الأزقة الضيقة والمباني المتآكلة، تثير في نفسها شعورًا غريبًا. كأنها كانت جزءًا من مكان لا تعرفه، ومع ذلك، كان كل شيء فيها مألوفًا.
الهواء هنا كان مختلفًا، مليئًا بالغموض والتاريخ القديم. كل زاوية كانت تحمل علامةً لشيء مفقود. كانت تلاحظ كيف أن البيوت المهجورة تكاد تهمس بأسرارها، كأنها تروي قصة عن ماضيها الذي تم دفنه في أعماق الذاكرة.
وصلت ليان أخيرًا إلى المكان الذي كانت تبحث عنه، ذلك المستودع المهجور الذي كان يعيد إليها ذكريات كانت قد حاولت طويلاً أن تنساها. كان الباب مفتوحًا قليلاً، وكأن شيئًا ما يدعوها للدخول. دفعتها قدماها إلى الداخل، لكنها كانت مترددة، وكأن هناك شيئًا غير مرئي يراقبها.
داخل المستودع، كان الضوء خافتًا، وتغلغل دخان قديم في المكان. كان يبدو وكأن هذا المكان قد شهد الكثير من الأسرار والتجارب الغامضة. لكنها كانت بحاجة إلى معرفة المزيد، مهما كانت الحقيقة قاسية.
ثم اكتشفت صندوقًا آخر في الزاوية، صندوق خشبي قديم، يتشابه في مظهره مع الصندوق الذي حصلت عليه في المرة الأولى. كان قلبها ينبض بسرعة، كما لو أن الصندوق يحمل الإجابة النهائية على كل أسئلتها.
فتحت الصندوق بحذر، وتوقعت أن تجد نفس الرسائل الغامضة التي تلقتها من قبل. لكنها كانت مفاجأة. وجدَت داخل الصندوق صورة قديمة أخرى، ولكن هذه المرة كانت صورة لشابٍ غريب الملامح، لا يشبه أي شخص في حياتها. كان الشاب في الصورة يبتسم، ولكن ابتسامته كانت تحمل شيئًا من الحزن العميق. كان يلبس ملابس قديمة جدًا، تعود إلى زمنٍ بعيد.
على ظهر الصورة كانت هناك كلمات مكتوبة بخط يدٍ أنيق:
"ليان، كل شيء مرسوم. تذكري أن الأمل ليس هو ما تبحثين عنه، بل الحفرة التي يجب أن تغادريها."
الشعور الغريب الذي بدأ يراودها قبل لحظات ازداد قوة الآن. كان هذا ليس مجرد لغز آخر. كانت هذه الرسالة تحتوي على شيء أكثر عمقًا، شيء يربطها مباشرة بتاريخها الذي لم تعرفه بعد.
بينما كانت تحدق في الصورة، سمعت صوتًا قادمًا من خلفها. كان رائد يقف هناك، يراقبها بهدوء، وكأن كل شيء كان يحدث كما كان مخططًا له.
– هل فهمتِ الآن؟ قال رائد، وهو يقترب منها ببطء.
– فهمت ماذا؟ قالت ليان، محاوِلةً إخفاء ارتباكها. كانت تتمنى أن تكون قادرة على الهروب من كل هذا، لكن الواقع كان يفرض نفسه عليها.
– فهمتِ ما تعني الصورة، ما تعنيه رسائل الصندوق، قال رائد بصوتٍ هادئ، ولكن هناك شيء في نبرته كان يحاول أن يخفِي سرًا أكبر. الصورة التي تراها هي بداية كل شيء. هذا الشخص في الصورة هو الجزء المفقود منكِ، جزء من نفسك التي ضاعت عبر الزمن.
ليان شعرت بدوار. هل هو يستهزئ بها أم أن هذا هو الواقع؟ كيف يمكن لهذا الشخص في الصورة أن يكون جزءًا منها؟ كانت تسأل نفسها عن كل شيء، وعن الطريقة التي يربطها رائد بكل هذه الألغاز.
– ما الذي تعنيه بكلامك؟ هل تقول أنني كنت جزءًا من هذه الصورة؟ هل هذا الشخص هو نفسي؟ قالت ليان، وكانت الكلمات تتسارع على لسانها. كانت تشعر وكأنها تسير في دائرة مفرغة، وكلما اقتربت من الإجابة، ازداد السؤال تعقيدًا.
رائد وقف أمامها، متأملًا لها للحظة، ثم قال:
– نعم، هذا الشخص في الصورة هو أنتِ، ليان. وأنتِ الآن في لحظة مفصلية. كل ما فعلته في حياتك، كل قرار اتخذته، كان جزءًا من الخطة التي تم رسمها منذ البداية. لكنك الآن تواجهين الحقيقة التي لا يمكنك الهروب منها.
كانت الكلمات ثقيلة على قلبها، كأنها تنهار تحت وطأة الواقع الذي كان يُكشف لها تدريجيًا. هل كانت كل حياتها مجرد جزء من خطة قديمة؟ هل كانت مجرد خيط في لعبة أكبر من أن تُفهم؟
ثم أضاف رائد:
– ليان، لا بد أن تتأملي في هذه اللحظة. أنتِ لم تكوني مجرد شخصية عادية في لعبة الحياة. بل كنتِ جزءًا من تجربة فريدة. الآن، عليكِ أن تقرري ما إذا كنتِ مستعدة للمضي قدمًا، إلى حيث لا يوجد عودة.
لم تعرف ليان كيف تجيب على هذه الكلمات. كانت كل كلمة تكشف لها شيئًا جديدًا، وكل جواب كان يؤدي إلى مزيد من الأسئلة. كانت تائهة، ولا تعرف ما إذا كانت ستتمكن من مواجهة الحقيقة، أو إذا كانت ستظل في الظل تبحث عن إجابة لن تجدها أبدًا.
وقفت ليان صامتة لوهلة، ثم قالت أخيرًا:
– ما الذي علي أن أفعله الآن؟ هل العودة إلى الماضي هي الحل الوحيد؟
لكن رائد ظل صامتًا للحظات، ثم أجاب:
– العودة ليست خيارًا. لكن الحقيقة تكمن في المستقبل، في القرار الذي ستتخذينه الآن.
https://lamsatroh80.blogspot.com/2025/07/blog-post_74.html
انتظرونا في فصل جديد واحداث جديدة
بقلم: لمسة روح
© جميع الحقوق محفوظة2025
تعليقات