الذاكرة الجديدة

📘🖋لفصل : التاسع 📘

بقلم    لمسة روح ............✍

 

بينما كانت ليان تغادر المستودع، شعرت بأن الأرض تهتز تحت قدميها. كانت الأحداث التي اكتشفتها للتو أكبر من قدرتها على الاستيعاب، لكن لم يكن هناك مجال للهروب. حتى أن أفكارها لم تعد قادرة على متابعتها كما اعتادت، فقد أخذتها إلى مكان غريب كانت تجهل ملامحه. كل ما عرفته الآن هو أن الحقيقة التي كانت تبحث عنها قد ظهرت أخيرًا، ولكنها جاءت مع أسئلة أكثر من الإجابات.


كانت تسير في الشوارع القديمة للمدينة، وتلك الوجوه التي كانت تمر بها أصبحت مجرد أشباح، لا تشعر بأنها تنتمي إليها. كانت خطواتها متسارعة، لكن عقليها كان غارقًا في دوامة الأسئلة. كيف يمكن أن تكون حياتها مجرد جزء من تجربة قديمة؟ كيف يمكن للذكريات أن تكون مزيفة إلى هذا الحد؟ ومن هو هذا الشاب الذي كان في الصورة؟ لماذا كانت هي جزءًا من كل هذا؟


مع مرور الوقت، بدأ شعور غريب يراود قلبها. كان هناك نوع من التمرد ضد الحقيقة، كأنها كانت تقول لنفسها: "لا، لا أريد أن أصدق. لا أريد أن أكون جزءًا من لعبة قديمة". لكنها كانت تدرك في أعماقها أن الهروب لم يعد خيارًا. الحقيقة كانت أمامها، وكانت عليها مواجهتها.


وصلت ليان إلى مكان قديم كان يبدو مألوفًا لها. كان هذا المكان قريبًا من منزلها القديم، مكان كانت تتردد عليه في طفولتها. تذكرت كيف كانت تأخذ في الصغر لُعبها وتجري هنا وهناك مع رائد، وكانت الشمس تشرق على الحديقة وتملأ كل شيء بالضوء. الآن، كان كل شيء مظلماً. الحديقة كانت مهملة، والشجر في المكان كان جافًا، كما لو أن الزمن قد توقف.


فجأة، سمعَت صوت خطوات خلفها. التفتت بسرعة، وكان رائد يقف هناك، ولكن هذه المرة كان وجهه يحمل تعبيرًا جديًا ومليئًا بالندم.


– ليان، قال بصوت خافت، كنت أعرف أنك ستأتين إلى هنا. ولكن لا تظني أن العودة إلى الماضي ستغير شيئًا. المستقبل هو الذي سيحدد كل شيء الآن.


ليان، التي كانت تتمنى لو يمكنها أن تتجاهل رائد، اقتربت منه ببطء، عيونها مليئة بالدموع والقلق:


– كيف يمكنك أن تقول هذا؟ كل حياتي، كل ذكرياتي، كنت أظن أنني أعرف من أنا. ولكن الآن، أصبح كل شيء مشوشًا، وكلما اقتربت من الحقيقة، كلما أصبح العالم الذي عشته مليئًا بالأوهام.


رائد وقف أمامها، وأخذ نفسًا عميقًا قبل أن يتكلم:


– أعرف أنكِ تشعرين بذلك، ولكن يجب أن تقبلي الحقيقة الآن. الحقيقة أن كل ما عشته كان جزءًا من تجربة مُعدة مسبقًا. هذه ليست حياتك الوحيدة، وليست حياتنا الوحيدة. كل شيء تم تخطيطه، حتى اللقاءات التي كانت تجمعنا، كانت جزءًا من هذه التجربة.


ليان، التي كانت تحاول بكل ما أوتيت من قوة أن تبقى متماسكة، شعرت بثقل كلماته، ولكن كان هناك جزء في داخلها يصرخ: "هل يمكن أن تكون كل حياتي كذبًا؟ هل يمكن أن تكون مشاعري مجرد تجارب مختبرية؟"


– ماذا تعني بكلماتك؟ هل تقول لي أنني لم أكن أعيش حياتي الحقيقية؟ هل تقول لي أن كل شيء كان مجرد اختبار؟ قالت ليان، عيناها مشتعلة بالغضب.


رائد نظر إليها بحزن:


– نعم، ليان. لكن هذا لا يعني أن مشاعرك لم تكن حقيقية. حتى لو كانت التجربة مخطط لها، مشاعرك كانت حقيقية، آمالك، مخاوفك. أنتِ كنتِ جزءًا من خطة أكبر، ولكنكِ أصبحتِ جزءًا حقيقيًا من هذا العالم. المشاعر التي شعرتِ بها، والأشخاص الذين أحببتِهم، كل ذلك لم يكن مجرد محاكاة. كان حقيقيًا، ولكن في سياق أكبر.


ليان، التي كانت تحاول استيعاب ما سمعته، شعرت بتشوش في رأسها. هل كان ما عاشته طوال حياتها مجرد جزء من لعبة أكبر؟ أم أنها كانت جزءًا من شيء لا يمكنها السيطرة عليه؟


– لكن... كيف لي أن أقبل بأن كل شيء كان مخططًا له؟ كيف لي أن أعيش الآن وأنا أعرف أن حياتي ليست كما كنت أظن؟ قالت ليان، وكانت عيناها مليئة بالدموع.


رائد اقترب منها خطوة أخرى، وقال:


– هذا هو التحدي، ليان. الآن عليكِ أن تختاري. إذا كنتِ ستعيشين حياتكِ كما هي الآن، أو إذا كنتِ ستعيدين بناء كل شيء من جديد. الحاضر الآن بين يديك، والأمل في المستقبل. لكن الحقيقة لن تختفي، مهما حاولنا الهروب منها.


ليان وقفت صامتة لعدة لحظات، وكأن كل ما حولها قد توقف. هل ستظل أسيرة لذكرياتها؟ أم أنها ستقبل الحقيقة وتستعيد حياتها؟ هل هي مستعدة للعيش في ظل هذا الظل الكبير الذي كان يتبعها طوال حياتها؟


وأخيرًا، همست:


– أنا لا أعرف ماذا أفعل الآن. كل شيء تغير، لكن ربما هذا هو الوقت المناسب للبدء من جديد.


وهكذا، بينما كانت الشمس تغرب في الأفق، شعرت ليان بأن خطوة جديدة بدأت في حياتها. كانت مليئة بالشكوك والخوف، لكنها كانت تدرك أن هذا هو بداية جديدة. بداية لن تكون مبنية على الماضي، بل على اختياراتها في المستقبل. 


– إلى اللقاء في الفصول الاخيرة المشوقة   ب

بقلم: لمسة روح   

– © جميع الحقوق محفوظة2025

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انثى لا ترفع الراية البيضاء

صهيل في قلبي 💕 وكتاب ولد من حلم

صباح يشبه النور حين يخجل