الفصل السادس عشر – الجزيرة التي تتنفس
توقفت نوران في مكانها، والنداء يتردد في أرجاء الفضاء الجديد.
عرفت الصوت جيدًا… ذلك الصدى الذي كانت تسمعه في أحلامها منذ طفولتها. كان صوت أمها، التي رحلت قبل سنوات طويلة.
تسارعت أنفاسها، وشعرت بجسدها يختلّ كأن الأرض تُسحب من تحتها.
أمي…؟ أأنتِ هنا؟
فجأة، ظهرت أمامها جزيرة معلّقة، تنبض كالقلب، وتتنفس كصدرٍ يعلو ويهبط. على سطحها أشجار متوهجة تضيء بلون الزمرد، وأنهار من ضوء سائل تجري دون أن تسقط من حافتها.
هناك، بين الأشجار، كانت تقف امرأة ترتدي ثوبًا من نور، ملامحها تشبه ملامح الأم، لكن عينيها تخفيان شيئًا أكبر من الحنان: قوة لا حدود لها.
قالت المرأة:
أنا لستُ أمك كما تتذكرين، بل صداها… صورتها المحفوظة في قلب هذا العالم. لكنك ستجدين الحقيقة قريبًا.
اقتربت نوران بخطوات حذرة، بينما وقف آيدن خلفها، يراقب المشهد بعينين مشدوهتين.
لماذا جئتِ بي إلى هنا؟" سألت نوران بصوت مرتجف.
أجابت المرأة:
لأنكِ الوحيدة القادرة على إحياء ما انطفأ. هذه الجزر ليست مجرد أماكن، بل أرواح عالقة. إذا فقدتِ توازنك، سينهار كل شيء.
وقبل أن تستوعب نوران الكلمات، اهتزّت الجزيرة بعنف.
خرجت من بين الأشجار كائنات غريبة تشبه البشر لكن وجوههم مغطاة بأقنعة من الظل، يحملون بين أيديهم سيوفًا تتوهج بلون أسود.
صرخت المرأة:
إحذري، إنهم حُرّاس الغموض، لا يعرفون إلا القتال. سيختبرون قوتك قبل أن يعترفوا بك.
رفعت نوران يديها دون أن تدري، فإذا بالضوء الذي يسكنها يتجمّع بين راحتيها، ليشكل كرة من طاقة بيضاء أطلقتها نحو أول المهاجمين.
ارتدّ الحارس إلى الخلف، لكن اثنين آخرين اندفعا عليها.
آيدن، رغم جراحه، أمسك بسيف من الضوء المتساقط من النهر اللامع، وانقضّ ليحميها.
المعركة اشتعلت.
نوران تقاتل بوميضٍ لم تعرف يومًا أنّه يسكنها، وآيدن يواجه بشجاعة جنون، حتى صارت الجزيرة كلها تتوهج بضرباتهم.
وفي لحظة حاسمة، صرخ أحد الحراس بصوت مبحوح:
كفى… لقد أثبتت جدارتها.
توقف الجميع، وتلاشت الأقنعة عن وجوههم، فإذا بهم بشر عاديون، لكن أعينهم تحمل ألف حكاية من الأسر.
قال كبيرهم:
نوران، أنتِ لستِ ضائعة. لقد جئتِ لتعيدي لنا الذاكرة التي سُلبت. ما سمعتهِ لم يكن إلا البداية، وما سترينه في الجزيرة التالية… سيغيّر كل شيء.
رفعت نوران رأسها، تنظر إلى الأفق، حيث ظهرت جزيرة أخرى أبعد، أكبر وأكثر غموضًا، تتدلى من السماء بسلاسل من نور ودموع من نجمٍ يذرف ضياءه عليها.
ابتسمت رغم التعب وقالت:
رحلتي لم تبدأ بعد… وما زال أمامي ما هو أعظم.
تعليقات