الفصل السابع عشر – ضيف من الظلال

 

بعد أن هدأ صخب الجزيرة، جلست نوران قرب النهر المضيء، تحاول استعادة أنفاسها. كانت تشعر أن روحها أثقل من جسدها، وأن كل خطوة تخطوها تدفعها نحو مصير لا عودة منه.

أما آيدن، فقد جلس صامتًا، يراقبها بعيون يكسوها القلق، وكأنه يخشى أن تنطفئ فجأة.


وفجأة، اخترق السكون صوت غريب، أشبه بتمتمة تُتلى من مكان بعيد. التفتت نوران، لترى على حافة الجزيرة شخصًا يقف في الظل، طويل القامة، يلفّه عباء سوداء كأجنحة الغراب.

كان الغريب يحمل عصًا من عظم، يعلوها حجر أسود يتوهّج بضوء باهت.


قال بصوت مبحوح لكنه نافذ:

– "أخيرًا وصلتِ… يا من كُتب اسمها على جدار الزمن."


نهض آيدن بسرعة، واضعًا يده على مقبض سيفه:

– "من تكون؟!"


ابتسم الغريب بسخرية:

– "مجرد عابر من الظلال، اسمي زاهر. كنتُ شاهدًا على ما ضاع، وحارسًا لما لم يُكشف بعد. وجودكما هنا يهدد التوازن، لكن ربما… ربما تكونان الأمل الأخير."


شعرت نوران ببرودة تسري في عروقها عند سماع اسمه، كأن روحها تعرفه رغم أنها لم تره من قبل.

سألته بنبرة حازمة:

– "لماذا ظهرت الآن؟ وما الذي تريده منا؟"


اقترب زاهر ببطء، وكل خطوة منه كانت تُحدث اهتزازًا خفيفًا في الأرض.

– "هناك من يراقبكما، من يسعى إلى كسر هذه الجزر وابتلاعها. ما رأيتموه ليس إلا بداية. أنتما جزء من لعبة أكبر، لعبة كُتب عليّ أن أكون دليلها… أو خصمها."


ساد صمت ثقيل، قبل أن يمد يده بعصاه نحو الأفق، حيث الجزيرة المعلّقة التالية، المحاطة بعواصف من نار وثلج في آن واحد.

– "هناك ستعرفان الحقيقة. لكن حذارِ… من يدخل تلك الجزيرة لا يعود كما كان."


ترددت نوران لحظة، ثم قالت بعزمٍ غريب:

– "إذا كان الطريق خطيرًا، فهو طريقي. لن أتراجع الآن."


أدار زاهر عينيه نحوها، وتألّق في بؤبؤيه وميض غامض، كأنه يُخفي وعدًا أو خيانة لم يُكشف بعد.

أما آيدن، فقد شعر بشيء يثقل صدره، إحساس غامض أن هذا الغريب سيغير كل شيء، وربما يأخذ نوران بعيدًا عنه.


وهكذا، انطلقت الرحلة نحو الجزيرة التالية… جزيرة لن تكون كسابقاتها، بل بوابة إلى صراعٍ سيكشف وجوهًا

 وأسرارًا لم يكن أحد يتخيّلها.


بقلم لمسة روح

© جميع الحقوق محفوظة 2025


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انثى لا ترفع الراية البيضاء

صهيل في قلبي 💕 وكتاب ولد من حلم

صباح يشبه النور حين يخجل