الفصل الرابع: 🌸ظلال الممرات🌸
🌹 الجزء الاول 🌹
الهدوء الذي أعقب خروج نوران وكيان من البوابة الزرقاء لم يدم طويلًا. الهواء في المكان الجديد كان مختلفًا… أثقل، وكأن الزمن نفسه يتباطأ عند عتبة هذا العالم.
الجدران كانت عالية ومغطاة ببلورات خضراء تشع ضوءًا باهتًا، وفي قلب الممر ظهرت بوابة حجرية عظيمة مرسومة عليها وجوه بشرية متشابكة، بعضها يبتسم، وبعضها يصرخ.
نوران وضعت يدها على الحجر، ارتجف المكان، انفرجت البوابة ببطء، لتكشف عن ساحة واسعة تتوزع فيها طرق متفرعة، وفي كل زاوية شعلة نار ترتجف كأنها على وشك أن تنطفئ.
هناك، في وسط الساحة، ظهر رجل طويل القامة، يلبس درعًا داكنًا، وعيناه تحملان مزيجًا من الحزن والحدة.
أخيرًا. من يجرؤ على دخول عالم الظلال.
كيان همس.....
نوران، احذري… سمعت عن هؤلاء الحُرّاس، لا يعرفون الرحمة.
الرجل اقترب بخطوات بطيئة وقال
أنا آرغوس، حارس الممرات. كل من يدخل هنا يجب أن يثبت ولاءه… للنجوم أو للظلال.
نوران نظرت في عينيه، ورأت صراعًا داخليًا. كان أشبه بسجين أكثر منه حارسًا. لكن قبل أن تطرح سؤالها، خرجت فتاة شابة بملامح حادة وابتسامة ساخرة من بين الظلال. شعرها الفضي يلمع في ضوء البلّورات.
أنا ليرا… لن أنكر أنني كنت أنتظر وصولكِ يا نوران.
نوران ارتبكت
كيف تعرفين اسمي؟
ليرا ضحكت بخفة
اسمك يتردد في كل الأبعاد منذ فتحتِ البوابة الأولى. أنتِ لستِ مجرد عابرة سبيل… أنتِ من سيغير موازين هذا العالم.
كيان تراجع خطوة، لكنه لم يترك يد نوران. كان هناك شيء في نبرة ليرا يجمع بين الترحيب والتهديد.
فجأة، اشتعلت الشُعل في الساحة دفعة واحدة، وظهر من بين الممرات مخلوقات غامضة، أجسادها من الظل وعيونها كشرارات حمراء. كانت تتحرك بصمت، لكنها تحاصر نوران وكيان من كل الجهات.
آرغوس رفع صوته
كل من يختار طريق النجوم سيواجههم، ومن يختار طريق الظلال… سيصبح واحداً منهم.
نوران شدّت قبضتها، وقالت بثبات
لن أكون ظلًا لأحد… اخترت النور منذ البداية.
ليرا اقتربت منها حتى أصبحت على بُعد خطوة، وابتسمت ابتسامة مبهمة
إذن فلنرَ إن كان النور سيحميك من ظلالي.
وبإشارة من يدها، اندفعت المخلوقات نحوهما، ليبدأ صراع لم تعرف نوران مثله من قبل.
لكن، وسط الفوضى، لمحت نوران شيئًا غريبًا
رمز مضيء على يد آرغوس، نفس الرمز الذي رأته على جدار البوابة في الليلة الأولى.
في تلك اللحظة، أدركت أن آرغوس
ليس عدوًا خالصًا… بل ربما هو مفتاح الخلاص.
🌹الجزء الثاني... اختبار الظلال🌹
انقضّت المخلوقات على نوران وكيان، أصواتها أشبه بهسيس نيرانٍ تلتهم الهواء. رفعت نوران يدها محاولة صدّها، فانبثق من كفها نور أبيض ساطع، ارتدّت به بعض الظلال إلى الخلف لكنها لم تختفِ.
كيان صاح وهو يلوّح بسيف من الضوء استدعاه فجأة من بين راحتيه:
– "لن ننجو وحدنا… علينا أن نفهم ما يريده آرغوس!
لكن آرغوس كان واقفًا في مكانه، صامتًا، كأن صراعًا داخليًا يمزقه.
عندها صاحت نوران
آرغوس! إن لم تساعدنا الآن… ستُبتلع أنت أيضًا!
ارتجف الرمز المضيء على يده، ثم أطلق تنهيدة عميقة قبل أن يمدّ ذراعه إلى السماء. فجأة، اهتزّت الأرض، وتشققت أرضية الساحة لتخرج منها أعمدة من البلّور الأزرق تحاصر المخلوقات.
ليرا صفّقت بخفة، وعيناها تلمعان بخبث
كنت أعرف أنك لن تقاوم طويلاً، آرغوس… ما زال في داخلك بقايا نور، وهذا ما سيُدمّرك.
نوران تقدمت خطوة نحو آرغوس، نظرت إليه بعينين متلهفتين
أنت لست عدوًا، أليس كذلك؟ أنت محبوس مثلنا.
آرغوس تمتم بصوت مبحوح
أنا مقيد بقسم قديم… قسمٌ يُلزم قلبي بالظلال، لكن روحي تصرخ للنور.
كيان هتف بحذر
إذن ساعدنا على كسر هذا القسم!
لكن ليرا ضحكت ببرود، ثم رفعت يدها فجأة. انفجر جدار من الظلام خلفها، ليكشف عن بوابة جديدة، سوداء كالليل، تدور حولها دوامة من العيون المشتعلة.
هذه هي البوابة التي لم يجرؤ أحد على دخولها… بوابة الفناء. إن أردتم الحرية، فادخلوها… لكن اعلموا أن من يعبرها لا يعود كما كان.
الصمت خيّم لثوانٍ. نوران شعرت أن قلبها يشتعل، كأن تلك البوابة تناديها شخصيًا.
مدّت يدها بخطوات بطيئة، لكن كيان قبض على معصمها بقوة
لا تفعلي! هذا فخ… أشعر أن ما وراءها ليس حياة ولا موتًا
قبل أن تجيب نوران، دوّى صوت غامض من أعماق البوابة السوداء، صوت يشبه ألف همس في آن واحد:
ادخلي يا نوران… لقد انتظرناك منذ قرون.
ارتجف جسدها كله، وكأن شيئًا مجهولًا يجرّها بقوة لا تُقاوم.
آرغوس صرخ محاولًا اللحاق بها
لا تستسلمي! إن دخلتِ وحدكِ ستضيعين للأبد!
لكن نوران شعرت أن الأرض تحت قدميها تتلاشى، وأن الظلام يبتلع الضوء من حولها شيئًا فشيئًا…
وتنتهي هنا اللحظة، عند حافة القرار المصيري هل ستدخل
نوران بوابة الفناء، أم ستجد قوة تتراجع فيها ؟
بقلم لمسة روح
© جميع الحقوق محفوظة 2025
تعليقات