حين خلقت لأكون أنا



 أنا لم أُخلق كي أكون ظلاً باهتاً في حياة الآخرين، ولا كي أبحث عن اعترافٍ من عيون لا ترى ما وراء السطح، خُلقت كي أكون ذاتي، بفرحي وحزني، بعلوّي وانكساري، بامتلائي وفراغي. خُلقت كي أكون مثل نهرٍ يقطع الصخور بصبره، لا بصخبه، ومثل شجرةٍ تعرف أن جذورها سرّها الأعظم، وأن السماء موطنها الأسمى.


حاولتُ كثيراً أن أُذيب نفسي في قوالب الناس، أن أُخفي حدّتي، أن أُلوّن صوتي بألوانهم، لكنني اكتشفت أنني كلّما فعلت ذلك، انطفأ شيء في داخلي، وانكسرت مرآةٌ لا يجيد أحد ترميمها سواي. أدركت أنني لا أشبههم، وأن الاختلاف ليس نقمة بل منحة، وأن العزلة ليست ضعفاً بل وطنٌ آمن تحتمي فيه الأرواح الحرة من صخب الزيف.

أنا لستُ ضد الناس، لكنني لستُ معهم أيضاً. أنا في مكانٍ آخر، أبني عالمي على مهل، أزرع أحلامي بيدٍ واثقة، وأجمع أنفاسي كما يجمع المسافر ماءه قبل رحلة طويلة. قد لا أجد الكثيرين من حولي، لكنني أعلم أن الكثرة لا تمنح الروح قيمة، وأن القليل الذي يُشبهني يكفيني.

أمشي بخطى مختلفة، وأحمل قلبي كأنّه كتابٌ لم يُقرأ بعد، وأرفع رأسي إلى السماء كلما أثقلني ثقل الأرض. أنا لستُ هنا كي أُرضي الجميع، أنا هنا لأكون ما أراد الله لي أن أكون: نغمةً فريدة في سيمفونية الوجود، لا تُكرر نفسها، ولا تسمح أن تُطمس.

وحتى إن سرتُ وحدي، فإن وحدتي مملوءة بالأنوار، وإن لم يفهمني أحد، فإنني أفهم نفسي، وهذا يكفيني لأواصل الطريق. فأنا لم أُخلق لأُشبه أحداً، خُلقت لأكون أنا، ببهائي، بضعفي، بقوتي، بحكايتي التي لا تشبه سواي.


 بقلم .......لمسة روح 
 © جميع الحقوق محفوظة2025

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انثى لا ترفع الراية البيضاء

صهيل في قلبي 💕 وكتاب ولد من حلم

صباح يشبه النور حين يخجل