الفصل الثامن عشر – الجزيرة المشتعلة

 

كانت الأمواج تحتهم تضرب بشراسة، فيما تتقدم السفينة الصغيرة نحو الأفق حيث تتعانق ألسنة النار مع أعمدة الثلج، لتكوّن جدارًا رهيبًا يحيط بالجزيرة المشتعلة.

كانت الجزيرة تبدو وكأنها نُزعت من عالم آخر، نصفها يشتعل بالحمم الحمراء، ونصفها الآخر يكسوه جليد أزرق متصدّع، وبينهما وادٍ ضبابي لا يُرى عمقه.


قال آيدن وهو يحدق في المشهد المهيب:

كأنها حرب بين السماء والأرض.

ابتسم زاهر، لكن ابتسامته كانت باردة:

بل هي مرآة لصراعكم أنتم. النار والثلج… إرادتان متناقضتان، لا يجتمعان إلا ليبتلعا كل من يتجرأ على العبور.


التفتت نوران إليه بعينين لامعتين، وقالت بثقة لم يتوقعها أحد:

إذن سأكون الجسر بينهما.

أحس آيدن برعشة غريبة، لم يعرف إن كانت خوفًا عليها أم فخرًا بها، بينما ظل زاهر يراقبها بصمت، كأنه يرى فيها شيئًا لا يراه الآخرون.


عند وصولهم إلى الشاطئ، فوجئوا بمخلوقات عجيبة تخرج من الضباب:

أجسادها نصفها ناري، والنصف الآخر متجمد، تصرخ بأصوات تشبه عويل الرياح.

اندفع آيدن بسيفه، يضرب كتل الجليد المتحركة، بينما رفعت نوران يديها وكأنها تستدعي الضوء من أعماق السماء، لينبثق حولها هالة ذهبية صدّت هجومهم.


لكن المخلوقات لم تتوقف، بل ازدادت ضراوة.

عندها، غرس زاهر عصاه في الأرض، فتشققت الصخور، وخرجت منها دوائر رمزية متوهجة.

قال بنبرة حادة:

لن تنجوا إلا إذا واجه كلٌّ منكم حقيقته. الجزيرة لا تفتح قلبها إلا لمن يجرؤ على النظر في ظله.


تجمدت نوران للحظة، فقد رأت في الضباب انعكاسًا يشبهها، لكنه كان أكثر قتامة، كأنها نسخة أخرى من نفسها تحمل كل ما أنكرته من خوف وندم.

أما آيدن، فقد رأى شبحًا من ماضيه، وجهًا يعرفه جيدًا، يمد يده نحوه متهمًا إياه بالخيانة.

كانت الجزيرة المشتعلة تختبرهم…

وما سيحدث بعدها لن يكون مجرد مواجهة مع الم

خلوقات، بل مع أنفسهم أولاً.



بقلم لمسة روح

© جميع الحقوق محفوظة 2025

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انثى لا ترفع الراية البيضاء

صهيل في قلبي 💕 وكتاب ولد من حلم

صباح يشبه النور حين يخجل