الفصل التاسع عشر البوابة السوداء
تقدمت نوران بخطوات مترددة داخل الوادي الضبابي، قلبها يخفق بقوة وهي ترى انعكاس نفسها المظلم يقترب منها، نفس الوجه ونفس الملامح، لكن العيون هناك كانت باردة، قاسية، تحمل كل الخوف الذي حاولت إنكاره وكل الضعف الذي هربت منه.
قالت النسخة بصوت يملؤه الصدى
– لن تستطيعي عبور هذه الجزيرة، لأنني أنا الحقيقة التي تهربين منها.
ارتجفت نوران للحظة، لكنها رفعت رأسها بعزم:
– أنت لست الحقيقة، بل أنت ما تركته ورائي. أنا اخترت النور ولن أعود إلى الظلام.
في الجهة الأخرى، كان آيدن يقف مذهولًا أمام شبحٍ يخرج من الضباب، رجل يعرفه جيدًا، وجه من ماضيه البعيد، صديق قديم فقده في معركة غادرة. كانت العيون تتقد اتهامًا:
– تركتني للموت، خنت العهد، ولهذا لن تجد السلام أبدًا.
صرخ آيدن وهو يرفع سيفه:
– لم أخنك، كنت عاجزًا فقط. واليوم… لن أهرب بعد الآن.
اندفع بكل قوته، وضرب انعكاس الماضي بضربة حاسمة، ليذوب الشبح في الضباب ويختفي صراخه بعيدًا.
في تلك اللحظة، ارتجت الجزيرة بأكملها، تصدعت الصخور، وانطلقت ألسنة النار نحو السماء، بينما الجليد تحطم كقطع زجاج متساقطة. ظهر زاهر بين ألسنة اللهب، عباءته السوداء ترفرف، وعصاه ترتجف بوهج غريب.
قال بنبرة حادة:
– لقد أثبتم أنكم قادرون على مواجهة أنفسكم، لكن هذا ليس إلا البداية. الباب الحقيقي لم يُفتح بعد.
انشق الضباب أمامهم، كاشفًا عن بوابة ضخمة من نور أسود، تتماوج أطرافها بين اللهب والجليد. كانت البوابة تصدر صوتًا أشبه بصرخات آلاف الأرواح.
نظرت نوران إلى آيدن، عينها تمتلئ بالدموع واليقين في آن واحد:
– هذا هو الطريق الذي يجب أن أسلكه، حتى لو لم أعد كما أنا.
مد آيدن يده نحوها، قلبه يتصارع بين أن يمنعها أو يرافقها، لكن قبل أن ينطق بكلمة، دوى صوت انفجار هائل، وغمرهم ضوء أسود ابتلع كل شيء من حولهم.
توقف الزمن لثوانٍ، لم يعد هناك سوى صمت مطبق.
ثم… فتحت نوران عينيها لتجد نفسها واقفة أمام عالم آخر، أرض مجهولة تمتد بلا نهاية، وزاهر يقف بعيدًا يبتسم ابتسامة غامضة، بينما صوته يتردد في الأفق:
– اللعبة الحقيقية تبدأ الآن.
تعليقات