الفصل الثامن عشر: بوابة الظل

كانت الغرفة أشبه بمسرح للأسرار. الأضواء الخافتة تراقصت على الجدران العتيقة، وكأنها تعكس ما بداخل قلوبهم من ارتباك. سارة جلست بالقرب من النافذة، يدها ترتجف وهي تشد على أصابع آدم، كأنها تبحث فيه عن حصن يرد عنها كل خوف.


كريم جلس أمامهم، الدفتر بين يديه، لكنه بدا وكأنه يحمل قنبلة، لا يعرف إن كان فتحها سينقذهم أم يهلكهم. لحظة صمته كانت أقسى من الكلام، كأن جدران البيت نفسها تتأهب لتستمع.


ليلى كسرت الجمود بصوت خافت، لكنها محمّل بالرهبة:

"إنت متأكد يا كريم؟ مرات كتيرة الحقيقة مش بتنور الطريق… بالعكس بتولع نار أكبر."


آدم رفع رأسه نحوها، وصوته خرج ثابتًا رغم اضطراب أنفاسه:

"لأ… إحنا وصلنا خلاص لنقطة ما ينفعش نرجع منها. لازم نعرف كل حاجة، حتى لو الحكاية دي تاخد مننا أكتر مما نتوقع."


كريم تنهد بعمق، ثم فتح الصفحة الأولى. عيونه انعكست فيها لمعة خوف وندم، وقال بصوت خافت:

"البيت القديم مش مجرد مكان. نادية خبّت فيه أوراق بتفضح ناس، مش أي ناس… أشخاص لهم سلطة ووشوش كانوا حوالينا من غير ما نحس. الصور اللي احتفظت بيها… تشهد على خيانة، وعلى أسرار ناس مستعدين يعملوا أي حاجة عشان ما تتكشفش."


الكلمات كانت ثقيلة، كأنها حجارة تتساقط على صدورهم. سارة شعرت ببرودة تسري في عروقها، لكن في نفس اللحظة قوة خفية بدأت تتشكل داخلها. وكأنها أدركت أن الهروب مش خيار، وأنها جزء من الحكاية مهما حاولت تنكر.


وفجأة، دوى صوت ارتطام حاد من الطابق العلوي. ارتج البيت تحت أقدامهم، وكأن السقف نفسه على وشك أن ينهار. ليلى شهقت وهي تتراجع للخلف:

"فيه حد فوق… أنا سمعت بوضوح!"


آدم اندفع واقفًا، وملامحه بين التوتر والتحدي:

"ما فيش حاجة اسمها صدفة الليلة. اللي طالع فوق ده عارف إننا هنا… وعارف إننا بنفتح اللي ما كانش لازم يتفتح."


كريم رفع رأسه بحدة، وكأن ماضيه لحقه أخيرًا:

"مستحيل… مستحيل يكون رجع!"


سارة وقفت، لأول مرة بلا تردد، نظرت في عيون آدم وقالت بصوت حازم:

"لو رجع الماضي… يبقى لازم نواجهه. إحنا مش هنهرب."


صوت خطوات بدأ يقترب ببطء من السلم الخشبي. كل نقرة على الخشب كانت كأنها طبلة حرب، إعلان بقدوم شيء أكبر من مجرد إنسان. الظلال اتراقصت على الحائط، وملامح وجه مجهول بدأت ترتسم في الظلمة.


الغرفة كلها تحولت لساحة انتظار. قلب كل واحد منهم ينبض كأنه يدق على باب النهاية. وسارة شدّت على يد آدم أكثر، ليس خوفًا هذه المرة، بل استعدادًا. شعرت داخليًا أنها تعبر عتبة جديدة، عتبة لا عودة بعدها.


وفي تلك اللحظة… انفتح الباب العلوي ببطء، وصوت الصرير اخترق سكون الليل، معلنًا دخول كابوس لم يعرفوا إن كان من الما

ضي أم من حاضر يصر على مطاردتهم.


⬅️ السابق:

F الفصل السابق (ضع رابط الفصل السابق هنا)


➡️ التالي:

F الفصل القادم (ضع رابط الفصل القادم 

هنا)


بقلم لمسة روح

© جميع الحقوق محفوظة 2025

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انثى لا ترفع الراية البيضاء

صهيل في قلبي 💕 وكتاب ولد من حلم

صباح يشبه النور حين يخجل