الفصل السادس. وجوه لا نعرفها تماما
كانت الليلة التي تلت اجتماعهم في المقهى هادئة أكثر مما يجب.
شوارع المدينة بدت كأنها تراقب صمتهم الجديد، وكل واحد منهم عاد إلى مكانه وهو يشعر أن شيئا غامضا بدأ يتشكل دون أن يُرى.
في الصباح، جلست هي أمام فنجان قهوتها تحدق في الورق الذي تركه عمر على الطاولة في آخر لقاء.
كان يحتوي على بعض الملاحظات بخطه الدقيق وكلمة واحدة في آخر الصفحة كُتبت على عجل. لن تتكرر الليلة نفسها مرتين.
قرأت الجملة مرارا حتى شعرت أن بين حروفها وعدا خفيا، أو ربما تحذيرا.
في الجريدة، كان سليم يدخل مكتبه الجديد بخطواتٍ واثقة، لكنه وجد على مكتبه مظروفا صغيرا بلا اسم.
فتحه بهدوء، فوجد فيه قصاصة من جريدة قديمة تحمل خبرا عن حادثة غامضة وقعت قبل خمس سنوات لصحفية شابة كانت تعمل في نفس المؤسسة.
كان الخبر صغيرا، لكن التاريخ والتفاصيل جعلت قلبه ينقبض.
الاسم الذي ذُكر في الخبر كان مشابها لاسمٍ سمعه صدفة من حديثٍ بين عمر ونوال قبل أيام.
في الوقت نفسه، كانت نوال تستقبل اتصالا من رقم مجهول.
لم تتكلم المتصلة، فقط تركت الصمت يمتد طويلا قبل أن تُغلق الخط.
لكن نوال تعرف ذلك الصمت جيدا، إنه الصمت الذي كان يسبق سقوط حياتها القديمة يوم غادر رشيد.
في المساء، اجتمعوا مجددا في المقهى ذاته دون تخطيط.
الجو بدا أثقل من المرة السابقة.
قالت نوال وهي تنظر إلى وجوههم واحدا تلو الآخر.
كلنا نحمل شيئا لا نجرؤ على قوله.
رد عمر بابتسامة خافتة.
ربما لأننا لا نجد من يسمعنا دون أن يحكم علينا.
قالت البطلة بصوتٍ مائلٍ إلى التأمل.
أحيانا نحتاج أن نعترف لأنفسنا لا للآخرين.
في تلك اللحظة دخل رجلٌ في الأربعين من عمره، أنيق المظهر، يحمل كاميرا قديمة على كتفه.
تقدم بخطواتٍ واثقة وسأل النادل عن نوال.
حين رآها، ابتسم وقال بهدوء.
ظننت أني لن أراك مجددا يا أستاذة.
نظرت إليه بارتباك وسألته.
هل أعرفك؟
أجاب مبتسما.
ربما الذاكرة تعرفني أفضل منك، كنت أعمل مصورا في الجريدة القديمة التي تركتِها قبل عشرين عاما.
كان اسمه رامي، رجل لا يتكلم كثيرا، لكن في عينيه شيء من الأسرار.
جلس معهم بعد إلحاحٍ من سليم الذي بدا مهتما بالتعرف إليه.
وبينما دار الحديث بينهم، لاحظت البطلة أن رامي كان ينظر إلى عمر بنظراتٍ غريبة، كأنه يعرف عنه شيئا لا يريد قوله.
بعد أن انصرفوا، همست نوال للبطلة.
هذا الرجل لم يظهر صدفة، لقد جاء يبحث عن شيء.
قالت لها. وما الذي يمكن أن يريده بعد كل هذه السنين؟
أجابت نوال. لا أحد يعود إلى الماضي إلا إذا ترك فيه شيئا لم يكتمل.
في تلك الليلة، تلقت البطلة رسالة قصيرة على هاتفها.
كانت من رقم مجهول تقول فقط.
لا تصدقي كل ما يُقال عن الحادث القديم، الحقيقة لم تُكتب بعد.
جلست طويلا تحدق في الرسالة حتى الفجر، تشعر أن كل ما كان هادئا بدأ يتصدع ببطء.
كان في داخلها إحساس غريب أن تلك الرسالة مرتبطة بعمر، أو بنوال، أ
و ربما بكليهما.
لكنها لم تملك الشجاعة لتسأل بعد.
تعليقات