الفصل الحادي عشر

 

بدأ الصباح مختلفا عن كل صباح مر على ليان. كانت الشمس خفيفة فوق المدينة وكأنها لا تريد أن تكشف بالكامل ما ينتظر هذا اليوم. استيقظت ليان بعد نوم متقطع. أخذت هاتفها وقرأت الرسالة المجهولة مرة أخرى. شعرت بأن الكلمات لا تخيفها بقدر ما تدفعها للبحث. كان فيها شيء يشبه التحدي أو كأن أحدهم يعرف أنها امرأة لا تستسلم بسهولة.


في الساعة التاسعة خرجت من البيت لزيارة السيدة عايدة. كانت شوارع الحي مزدحمة بشكل غير معتاد. وجوه كثيرة تتحرك بسرعة وكأن الجميع مستعجل لعبور يوم لا يريدونه أن يطول. عندما وصلت إلى منزل عايدة وجدته مفتوحا بشكل غريب. لم تكن هناك ضوضاء. لم يكن هناك صوت. فقط رائحة قهوة قديمة ما تزال في الهواء.


دخلت بهدوء. نادت على السيدة عايدة فلم يجبها أحد. تقدمت أكثر نحو الممر. في منتصفه كانت هناك حقيبة صغيرة على الأرض وكأن أحدهم تركها على عجل. رفعتها ووجدت بداخلها مجموعة صور قديمة. الصور كانت لامرأة تشبه عايدة في شبابها. وفي كل صورة كانت تظهر فتاة صغيرة حائرة الملامح. تكررت الفتاة كثيرا حتى بدت وكأنها محور الصور كلها.


في أسفل الحقيبة وُجد ظرف آخر يشبه الظرف الذي وصلها في المقهى. فتحته فوجدت داخله عنوانا مكتوبا بخط واضح. كان عنوان بيت قديم في أطراف المدينة. وتحته جملة تقول إن الإجابات تبدأ من هناك.


قبل أن تستطيع التفكير سمعت صوت باب يُغلق خلفها. استدارت لترى امرأة غريبة لم ترها من قبل. كانت تقف بثبات وتحدق فيها وكأنها تنتظر هذا اللقاء منذ زمن.


قالت المرأة إنها تدعى نادين. وإن السيدة عايدة غادرت المنزل فجرا لأنها علمت أن شيئا ما سيصل إلى ليان. لم تشرح كيف علمت. ولم تذكر من أخبرها. لكنها قالت إن عايدة تخاف على ليان أكثر مما تظهر. وإن هناك علاقة تجمعهما لم تُكشف بعد.


لم تفهم ليان شيئا. سألت عن معنى الصور. عن سبب هذا الغموض. لكن نادين اكتفت بأن طلبت منها ألا تذهب إلى العنوان وحدها. قالت إن المكان ليس آمنا وإن هناك من يراقبها منذ أسابيع. ثم غادرت بسرعة دون أن تترك مجالا للأسئلة.


خرجت ليان من المنزل بحقيبة الصور. شعرت أن عقلها أصبح مساحة مزدحمة بالأسئلة. في الطريق اتصلت بها هاجر. قالت إن سامر اختفى منذ الليلة السابقة وإن هاتفه مغلق. لم تكن هاجر تعرف التفاصيل لكنها كانت متوترة بشكل غير طبيعي. قالت إن نورا رأت رجلا يسأل عن ليان في المقهى صباحا. لم تعرف من هو ولم يذكر اسمه.


كل شيء صار يتحرك بسرعة أكبر مما تستطيع متابعته. الأشياء تتقاطع. الوجوه تتغير. والسر الأكبر يزداد ثقلا.


قبل الظهر وصلت إلى المستشفى. أرادت الاطمئنان على أمها قبل أن تبحث عن العنوان المكتوب في الظرف. لكن المفاجأة كانت في انتظارها. السيدة عايدة كانت هناك. تجلس قرب أمها وتحدثها بهدوء وكأنها تعرفها منذ فترة طويلة.


وقفت ليان في الباب. لم تستطع التقدم. كانت تستمع فقط لكلمات عايدة وهي تقول لأمها إن الوقت اقترب. وإن الحقيقة لا يمكن إخفاؤها أكثر. وإن ابنتها يجب أن تعرف ما لم تقله لها كل هذه السنوات.


هنا بدأ الإحساس الحقيقي بأن الرواية تتغير. وأن حياة ليان قبل هذا اليوم ليست هي حياتها بعده.


عندما لاحظت عايدة وجودها التفتت إليها بابتسامة هادئة. قالت لها إن كل شيء سيُقال. ولكن ليس الآن. لأن الحقيقة عندما تأتي مبكرا تخرب القلوب. وعندما تأتي متأخرة تكسرها.


طلبت منها أن تذهب إلى العنوان. ثم خرجت من الغرفة دون أن تشرح حرفا واحدا.


بين يدَي ليان كانت حقيبة الصور ترتجف كأنها تحمل شيئا أكبر من ماضي امرأة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انثى لا ترفع الراية البيضاء

صهيل في قلبي 💕 وكتاب ولد من حلم

صباح يشبه النور حين يخجل