الفصل الرابع عشر
لم يكن الصباح مختلفا في ظاهره، لكنه كان يحمل ما يشبه الوعد الغامض. الهواء في المدينة بدا أثقل قليلا، والضوء الذي دخل من النوافذ كان مثل إشعار خفيف بأن شيئا سيتغير ولو ببطء لا يُرى. قامت لمى من سريرها وهي تشعر بأن قلبها يتحرك داخل صدرها كما لو أنه يريد قول شيء ولم يجد الطريق بعد. أمسكت دفترها الذي اعتادت أن تكتب فيه كلما أرادت أن تهرب من ضوضاء العالم، لكنها هذه المرة لم تستطع أن تخط حرفا. كانت الكلمات تختبئ منها، وكأنها تنتظر حدثا لم يقع بعد. في الجهة الأخرى من المدينة، كان سليم يمشي بخطوات ثابتة لكنها ممتلئة بتردد خفي. لم يعد يعرف إن كانت تلك الحكاية التي تجمعهما تتقدم للأمام أو تدور حول نفسها، لكنه كان يعرف شيئا واحدا. لم يعد قادرا على الانسحاب. فكل طريق يذهب إليه كان يعيده إليها، حتى في صمته كان يسمع حضورها. وعندما التقى الاثنان في المساء، لم تكن الكلمات هي أول ما قالاه. كان الصمت بينهما ينساب مع اللمح، وكأنه هو الذي حملهما طوال الفصول الماضية وجاء الآن ليطلب منهما مواجهة الحقيقة. قالت لمى بصوت منخفض اشعر ان كل ما نمر به يدفعني الى سؤال لا اجد له جوابا. هل نحن نقترب ام نهرب ابتسم سليم ابتسامة مترددة لم نهرب. فقط نحاول ان نفهم ما لا يقال بسهولة. ساد بينهما هدوء يشبه الاعتراف. ثم فتح سليم يده، ووضع فيها قلما صغيرا كانت قد نسيته عنده منذ اول لقاء طويل جمعهما. قال لها كل ما لم تكتبيه بعد ينتظر منك شجاعة صغيرة. والبقية ستأتي وحدها. أحست بشيء يتحرك داخل القلب. ليس حبا فقط بل شيئا يشبه بداية جديدة. كأن الفصول القادمة بدأت تفتح أبوابها بصمت. خرج كل منهما من المكان وهو يعرف أن هذا اليوم لن يمر بلا أثر. لم يكن اتفاقا رسميا، ولا وعدا مكتوبا، كان مجرد شعور بسيط، لكنه قوي بما يكفي
بقلم لمسة روح
© جميع الحقوق محفوظة 2025
تعليقات